ولي العهد السعودي بين الإصلاح والقبضة الحديدية
Read this story in Englishشهدت مسيرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي تضررت صورته الى حد كبير منذ مقتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول، في الحكم صعودا سريعا، وقد طبعتها إصلاحات أدخلها على المجتمع والاقتصاد منذ توليه منصبه، بالتوازي مع حملات اعتقال وقمع في حق ناشطين ورجال دين وغيرهم.
ونجح الأمير البالغ من العمر 33 عاما في نسج شبكة علاقات عامة واسعة في العالم، معتمدا سياسة انفتاح اجتماعي وإصلاح اقتصادي، ومدافعا عن "إسلام معتدل". وسعى الى جذب مستثمرين أجانب لتنويع مصادر اقتصاد بلاده المرتهن بالنفط.
وقد راهن عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في استراتيجيته الهادفة الى تقريب السعودية من اسرائيل وتعزيز الجبهة ضد إيران في المنطقة.
حتى قبل تعيينه وليا للعهد، كان محمد بن سلمان وليا لولي العهد منذ 2015، وأطلق برنامجا واسعا للإصلاحات الاقتصادية في بلاده، أول مصدّر للنفط في العالم، بعنوان "رؤية 2030". وتجاوز محمد بن سلمان في هذه الخطة إحدى المحظورات باقتراحه طرح أقل من 5% من مجموعة النفط العملاقة "ارامكو" في البورصة وتشكيل صندوق سيادي بقيمة ألفي مليار دولار، هو الأضخم في العالم.
وتمكّن بعد توليه منصب ولي العهد، من تقليص نفوذ الشرطة الدينية في المملكة المحافظة، وسمح بالحفلات الموسيقية وإعادة فتح دور السينما.
كما أصدر القرار التاريخي بالنسبة الى السعوديين بالسماح للنساء بقيادة السيارات.
وفي ظهور علني نادر العام الماضي، تعهد ولي العهد بقيادة مملكة "معتدلة ومتحررة" من الأفكار المتشددة، ومنفتحة على الديانات الاخرى.
بموازاة ذلك، كان مصمما على تأكيد سلطته وإحكام قبضته على كل مفاصل القرار.
في 21 حزيران/يونيو 2017، تمكن، بمساندة والده، من إزاحة ولي العهد محمد بن نايف والحلول محله.
وخلال وقت قصير، أصبحت لولي العهد علاقات وثيقة مع البيت الأبيض بقيادة دونالد ترامب، خصوصا مع صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر.
ويبدو البيت الأبيض محرجا في الموقف الذي سيعتمده إزاء قضية خاشقجي. فقد أعلن ترامب بداية أن "قتلة غير منضبطين" قد يكونون وراء جريمة قتل الصحافي السعودي في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر. وقال إن الرواية السعودية التي تقول إنه قتل عن طريق الخطأ خلال شجار، "جديرة بالثقة". لكنه عاد وتحدث عن "أكاذيب" في الرواية السعودية، وصولا الى وصف "محاولة التستر" على الجريمة ب"الإخفاق التام".
وتؤشر خطوات عديدة اتخذها الأمير محمد بن سلمان الى عدم تسامحه مع أي معارضة أو انتقاد لسياساته.
فقد أوقفت السلطات السعودية رجال دين بارزين العام الماضي. وتم احتجاز أمراء كبار ووزراء ورجال أعمال في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 في فندق "ريتز" الفخم في الرياض بدعوى مكافحة الفساد في حملة تطهير غير مسبوقة. وخرجوا بعد تسويات دفعوا خلالها مبالغ كبيرة، بحسب تقارير صحافية.
وتعرض بن سلمان أيضا لانتقادات حادة واتهامات بأنه أرغم رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري على تقديم استقالته بشكل مفاجئ من الرياض.
وقبل أسابيع من السماح للمرأة بقيادة السيارة، شنّت السلطات حملة اعتقالات في أيار/مايو الماضي طالت 11 ناشطة على الأقل طالبن في السابق برفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، بحسب منظمات حقوقية بينها "هيومن رايتس ووتش".
بعد إعلان السلطات السعودية عن قتل خاشقجي الذي نفذه، بحسب قولها، أشخاص "خارج إطار صلاحياتهم"، قامت بعملية إقالات واعتقالات، وأكدت أن ولي العهد لم يكن على علم بالقضية.
وبينما كان البعض يتوقع إبعادا ولو موقتا لولي العهد في خضم قضية خاشقجي، عمد الملك سلمان (82 عاما) الى تعيينه على رأس لجنة وزارية لإعادة هيكلة جهاز الاستخبارات العامة وتحديد صلاحياته.
ولإظهار استمرار إمساكه بزمام الأمور، حضر ولي العهد السعودي الثلاثاء لوقت قصير جلسة في المنتدى الاقتصادي الذي قاطعته دول ومؤسسات عديدة على خلفية قضية خاشقجي. واستقبل بالتصفيق، فيما تدافع عدد من المشاركين في المنتدى لالتقاط صورة معه.
- "زعيم قبلي من الطراز القديم" -
وكان الصحافي جمال خاشقجي وصف في مقابلة مع مجلة "نيوزويك" الأميركية ولي العهد السعودي بأنه "زعيم قبلي من الطراز القديم" وبعيد عن واقع ومشاغل الفقراء من السعوديين.
ونشرت المقابلة بعد مقتل خاشقجي الذي يضيف "في بعض الأحيان، أشعر.. أنه يرغب في حصد ثمار الحداثة في العالم الأول من وادي السيليكون وصالات السينما وكل شيء، ولكن في الوقت ذاته، يريد أيضا أن يحكم مثلما حكم جده في السعودية".
ومحمد بن سلمان هو المهندس الرئيسي للحرب التي تقودها السعودية مع تحالف عربي واسع ضد المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن المتهمين بالتعاون مع ايران.
وانعكست السياسة السعودية الأكثر هجومية في عهد الملك سلمان والتي لمحمد بن سلمان الدور الكبير فيها، على الأزمة الحادة مع قطر التي تتهمها الرياض بدعم الإرهاب والإخوان المسلمين وبالتقرب من ايران، وتستمر في مقاطعتها مع عدد من حلفائها منذ حزيران 2017.
وقال دبلوماسي غربي في أواخر عام 2017 إن ولي العهد السعودي يملك "طاقة فكرية"، ولكنه قد يكون "متهورا".
ومحمد بن سلمان حائز إجازة في الحقوق من جامعة الملك سعود، وهو والد لابنين وابنتين.